الخميس، 15 أكتوبر 2015

الهجرة النبوية ... دروس وعبر.


الهجرة النبوية ... دروس وعبر.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

لَقَدِ امْتَنَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى البَشَرِيَّةِ بِبِعْثَةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ لِيُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ ظُلُمَاتِ الشِّرْكِ وَالجَهْلِ إِلَى نُورِ التَّوْحِيدِ والعِلْمِ، ) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ( [آل عمران: 164].
وَلَقَدْ لَاقَى -صلى الله عليه وسلم- مِنْ قَوْمِهِ صُنُوفاً مِنَ الأَذَى مُنْذُ أَنْ بَدَأَ بِدَعْوَةِ النَّاسِ إِلى التَّوْحِيدِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الشِّرْكِ ، فَقَالُوا عَنْهُ سَاحِرٌ وَكَذَّابٌ وَمَجْنُونٌ وَشَاعِرٌ، وَأَلْقَوْا عَلَى ظَهْرِهِ سَلَى الجَزُورِ وَهُوَ يُصَلِّي، وَضَرَبُوهُ وَخَنَقُوهُ، وَسَلَّطُوا عَلَيْهِ صِبْيانَهُمْ وَسُفَهَاءَهُمْ فَلَحِقُوهُ وَرَمَوْهُ بِالحِجَارَةِ حَتَّى دَمِيَتْ قَدَمَاهُ، وَحَاوَلُوا قَتْلَهُ وَقَاتَلُوهُ، وَغَيْرَهَا مِنْ أَنْوَاعِ الأَذَى، وكَانَ -صلى الله عليه وسلم- صَابِراً مُحْتَسِباً مُمْتَثِلاً لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: ) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ( [الأحقاف: 35]، وَقَدْ هَيَّأَ اللهُ لَهُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلَامِ، وَبَعَثَ مَعَهُمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ -رضي الله عنه- لِيُعَلِّمَهُمُ القُرْآنَ وَشَرَائِعَ الدِّينِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجِّ السَّنَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْبِعْثَةِ، وَتُسَمَّى بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ الأُولَى، وَفِي حَجِّ السَّنَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنَ البِعْثَةِ بَايَعَهُ ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلاً وَامْرَأَتَانِ عَلَى الإِسْلامِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالمَنَعَةِ، وَهِيَ بَيْعَةُ العَقَبَةِ الثَّانِيَةُ.

وَبَعْدَ هَذِهِ البَيْعَةِ أَذِنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَصْحَابِهِ -رضي الله عنهم- بِالهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ بَعْدَ اضْطِهَادِ قُرَيْشٍ لَهُمْ وَفِتْنَتِهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَتَتَابَعَ المُؤْمِنونَ فِي الهِجْرَةِ إِلَى المَدِينَةِ دَارِ الإِسْلَامِ الجَدِيدَةِ. وَعَنْدَمَا أَرَادَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رضي الله عنه- الهِجْرَةَ لِلْمَدِينَةِ اسْتَبْقَاهُ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِيَصْحَبَهُ فِي هِجْرَتِهِ حِينَ يُؤْذَنُ لَهُ، وَظَلَّ يَسْتَعِدُّ لِذَلِكَ اليَوْمِ فَاشْتَرَى رَاحِلَتَيْنِ وَأَخَذَ يَعْلِفُهُمَا مُدَّةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وعَنْدَمَا عَلِمَتْ قُرَيْشٌ بِمَا تَمَّ بَيْنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَالأَنْصَارِ، وَهِجْرَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لِلْمَدِينَةِ، وَتَكْوِينِ دَوْلَةٍ لَهُمْ فِيهَا، أَيْقَنُوا مِنْ خُرُوجِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْهَا وَلِذَلِكَ عَقَدُوا اجْتِمَاعاً فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيَبْحَثُوا أَنْجَعَ السُّبُلِ لِلْقَضَاءِ عَلَى النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَدَعْوَتِهِ، وَقَدْ حَضَرَ الشَّيطَانُ الرَّجِيمُ هَذَا الاجْتِمَاعَ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ نَجْدِيٍّ، فَأَخَذُوا يَقْتَرِحُونَ الاقْتِرَاحَاتِ بِالسَّجْنِ وَالنَّفْيِ وَغَيْرِهِمَا وَالشَّيْطَانُ يُخَذِّلُ هَذَا كُلَّهُ، حَتَّى قَالَ عَدُوُّ اللهِ أَبُو جَهْلٍ: «إِنَّ لِي فِيهِ رَأْياً مَا أَرَاكُمْ وَقَعْتُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ، نَأْخُذُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابّاً جَلِيداً نَسِيباً وَسِيطاً فِينَا، وَنُعْطِي كُلًّا مِنْهُمْ سَيْفَاً صَارِماً، ثُمَّ يَعْمَدُونَ إِلَيْهِ وَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَيَقْتُلُونَهُ، فَيُفَرَّقُ دَمُهُ فِي القَبائِلِ فَلَا يَقْدِرُ بَنُو عَبْدِ مَنافٍ عَلَى حَرْبِ قُرَيْشٍ كُلِّهِمْ، فَيَرْضَوْنَ بِالدِّيَةِ فَنُعْطِيهَا لَهُمْ»، فَقَالَ الشَّيْطانُ: «القَوْلُ مَا قَال َالرَّجُلُ، هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي لَا رَأْيَ غَيْرُهُ»، واتَّفَقُوا جَمِيعاً عَلَى هَذَا الرَّأْيِ وَبَدَؤُوا فِي تَنْفِيذِهِ، وَفِي هَذَا يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ) وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ  ([الأنفال: 30].

وَأَذِنَ اللهُ لِرَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم- بِالهِجْرَةِ فَخَرَجَ فِي وَقْتِ الظَّهِيرَةِ وَقْتَ رَاحَةِ النَّاسِ إِلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- وَأَخْبَرَهُ بَأَمْرِ الهِجْرَةِ وَصُحْبَتِهِ لَهُ وَجَهَّزَا لَهَا وَاسْتَأْجَرا عَبْدَ اللهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ -وَكَانَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ- دَلِيلاً لَهُمَا فِي الطَّرِيقِ وَوَاعَدَاهُ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ فِي غَارِ ثَوْرٍ، وَأَمَرَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ مَكْرُوهٌ، فَلَمَّا نَامَ النَّاسُ جَاءَ المُتَآمِرُونَ وَطَوَّقُوا مَنْزِلَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرَأَوْا عَلِيّاً نَائِماً فَظَنُّوهُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَانْتَظَرُوا خُرُوجَهُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ عِنْدَ الكَعْبَةِ. فَخَرَجَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَذَرَّ التُّرَابَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَتْلُو قَوْلَ اللهِ تَعَالى: ) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ( [يس: 9]، فَأَعْمَى اللهُ أَبْصَارَهُمْ وَلَمْ يَرَوْهُ حِينَ خَرَجَ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى دَارِ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- وَمِنْهَا إِلَى غَارِ ثَوْرٍ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- مَرَّةً يَمْشِي خَلْفَهُ وَمَرَّةً أَمَامَهُ، وَعِنْدَمَا سأَلَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ ذَلِكَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَذْكُرُ الطَّلَبَ فَأَمْشِي خَلْفَكَ، وَأَذْكُرُ الرَّصْدَ فَأَمْشِي بَيْنَ يَدَيْكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لَوْ كَانَ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ». [رَوَاهُ الحَاكِمُ مُرْسَلاً وَصَحَّحَهُ].وَلَمَّا وَصَلا الغَارَ دَخَلَهُ أَوَّلاً أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- وَقَالَ: «مَكَانَكَ يَا رَسُولَ اللهِ حَتَّى أَسْتَبْرِئَ لَكَ الغَارَ- أَيْ أَتَأَكَّدُ خُلُوَّهُ مِنَ الهَوَامِ لِئَلَّا يُصيِبَكَ مَكْرُوهٌ- ثُمَّ لَمَّا اسْتَبْرَأَهُ قَالَ: انْزِلْ يَا رَسُولَ اللهِ» [رَوَاهُ الحَاكِمُ مُرْسَلاً وَصَحَّحَهُ].

وَلَمَّا خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- مِنْ بَيْتِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَلِمَ الكُفَّارُ بِخُرُوجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَخَذُوا فِي طَلَبِهِ، وَوَضَعُوا المُكَافَآتِ لِمَنْ يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى جَبَلِ ثَوْرٍ وَوَصَلُوا إِلَى الغَارِ رَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ عَنْكَبُوتٍ [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ كَثِيرٍ]، وَلمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- أَصْوَاتَهُمْ خَافَ وَحَزِنَ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَبَا بَكْرٍ: مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَفِي هَذَا نَزَلَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: ) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا( [التوبة: 40].

وَلمَّا انْقَطَعَ الطَّلَبُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَكْمَلُوا طَرِيقَهُمْ إِلَى المَدِينَةِ عَنْ طَرِيقِ السَّاحِلِ وهُوَ غَيْرُ الطَّرِيقِ المُعْتَادِ، وَالمُؤْمِنُونَ مُتَلَهِّفُونَ لِلِقَاءِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَرُؤْيَتِهِ، وَكَانُوا يَخْرُجُونَ كُلَّ يَوْمٍ لِأَطْرَافِ المَدِينَةِ يَنْتَظِرُونَهُ، وَلمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ فَرِحُوا بِهِ وَكَبَّرُوا، وَقِيلَ: إِنَّهَمُ أَنْشَدُوا:

طَلَعَ الْبَدْرُ عَلَيْنَا
مِنْ ثَنِيَّاتِ الوَدَاعِ

وَجَبَ الشُّكْرُ عَلَيْنَا
مَا دَعَا لِلَّهِ داَعِ

أَيُّهَا الْمَبْعُوثُ  فِينَا
جِئْتَ بِالأَمْرِ الْمُطَاعِ

وَكُلَّما وَصَلَ دَارَ قَوْمٍ مِنَ الأنْصَارِ أَخَذُوا بِخِطامِ نَاقَتِهِ وَسَأَلُوهُ المُقَامَ عِنْدَهُمْ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مَأْمُوَرةٌ»، فَلَمَّا وَصَلَتْ إِلَى مَكانِ المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ بَرَكَتْ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ عَمَلٍ عَمِلَهُ بِالمَدِينَةِ، ثُمَّ آخَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَعَمِلَ مِيثَاقاً يُنَظِّمُ العَلَاقَاتِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَمُشْرِكِي المَدِينَةِ مِنْ جِهَةٍ، وَبَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَاليَهُودِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى.

وبعد ذلك بدأت معالم انطلاق الدعوة الإسلامية إلى العالمية
وفِي الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ وَعِبَرٌ عَدِيدَةٌ، مِنْهَا

أن الْهِجْرَةُ إِلَى المَدِينَةِ انْقَطَعَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَالجَزِيرَةِ العَرَبِيَّةِ، وَلَكِنَّ هِجْرَةَ الذُّنُوبِ وَالْمَعاصِي إِلَى التَّوْبَةِ وَالطَّاعَةِ وَالخَيْرِ لَمْ تَنْتَهِ وَلَنْ تَنْتَهِيَ إِلَى قَيَامِ السَّاعَةِ؛ فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: «المُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ» [رَوَاهُ البُخَارِيُّ].

وفيها بيان أَهَمِيَّةُ بَذْلِ الأسْبَابِ المَادِّيَّةِ مَعَ التَوَكُّلِ عَلَى اللهِ تَعَالَى؛ فَهِجْرَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- وَاتِّخَاذُ دَلِيلٍ لَهُمَا وَاخْتِبَاؤُهُمَا فِي غَارِ ثَوْرٍ، وَسُلُوكُهُمْ طَرِيقَ السَّاحِلِ وَغَيْرُهَا مِمَّا حَصَلَ فِي هِجْرَةِ المُصْطَفَى -صلى الله عليه وسلم- كُلُّهَا أَسْبَابٌ لِلنَّجَاةِ مِنْ كَيْدِ الفُجَّارِ، وَلِنَشْرِ الدِّينِ وَتَأْسِيسِ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَالِانْطِلَاقِ مِنْهَا نَحْوَ العَالَمِيَّةِ، وَقَدْ بَارَكَ اللهُ فِي هَذِهِ الأَسْبَابِ وَأَيَّدَهَا، فَلَمْ يَبْقَ بَلَدٌ إِلَّا وَحَلَّ فِيهِ الإِسْلَامُ وَلِلَّهِ الحَمْدُ.

وَفِيهَا بيان فَضِيلَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- إِذِ اخْتَارَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صُحْبَتَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَذَكَرَهُ اللهُ فِي كِتابِهِ وَوَصَفَهُ بِصُحْبَةِ نِبِيِّهِ،) إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا   ( [التوبة: 40].

وَقَبُولُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- النَّوْمَ فِي فِرَاشِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لَيْلَةَ الهِجْرَةِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِيمَانِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَاسْتِعْدَادِهِ لِلتَّضْحِيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ دَوْرِ الشَّبَابِ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ وَتَمْكِينِهِ.

وَفِيهَا بيان أَهَمِّيَّةُ المَسْجِدِ ودَوْرُهُ الرِّيادِيُّ فِي تَأْسِيسِ الدَّوْلَةِ الإِسْلَامِيَّةِ وَترْسِيخِ أَرْكَانِهَا، فَيَنْبَغِي العِنَايَةُ بِالمَساجِدِ وَعِمارَتُهَا وَالِارْتِباطُ بِهَا وَتَعْلِيقُ النَشْءِ المُسْلِمِ بِهَا.

وَكَذَلِكَ أَثَرُ المُؤَاخَاةِ وَالتَّكافُلِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ فِي قُوَّةِ المُجْتَمَعِ وَتَمَاسُكِهِ وَصَلَابَتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى مُوَاجَهَةِ الأَخْطَارِ الخَارِجِيَّةِ وَالدَّاخِلِيَّةِ. وَكَذَا أَهَمِّيَّةُ تَنْظِيمِ التَّعايُشِ السِّلْمِيِّ بَيْنَ الطَّوَائِفِ وَالدِّياناتِ وَفْقَ مَبادِئِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَسَنِّ القَوَانِينِ فِي ذَلِكَ لِاسْتِقْرَارِ المُجْتَمَعِ دَاخِلِيّاً، وَلْيَأْخُذْ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرادِهِ حُقُوقَهُ كَامِلَةً، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءُ وَاجِبَاتِهِ تِجَاهَ مُجْتَمَعِهِ.

هذه بعض الفوائد والعبر وإلا فهجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مليئة بالفوائد والدروس والعبر.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه/
د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان

الثلاثاء، 22 أبريل 2014

التطبيقي وإنهاء المناهج الدراسية


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فمن المعلوم أن البرامج الجامعية معدة وفق مقررات ومناهج دراسية مدروسة ومحكمة ليتم تخريج طلاب متخصصين في مجالات معينة، والأساتذة في كليات الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب يحاولون جاهدين الانتهاء من شرح المناهج الدراسية كاملة في الفصل الدراسي، لكن للأسف هناك معوقات قد تمنع البعض من إتمام شرح المنهج الدراسي، من أهمها:
1 ـ كون فترة التسجيل المتأخر والسحب والإضافة في الأسبوع الأول من الدراسة كاملا وغالبا ما يتم تمديده ليشمل الأسبوع الثاني بسبب فشل نظام «البانر» للتسجيل ومشكلاته الكثيرة، وأصبح غياب الطلاب في هذه الفترة عرفا سائدا مبررين ذلك بمحاولة حل مشاكل التسجيل وتعديل الجداول.
2 ـ عدم وجود وقت محدد توقف فيه المحاضرات لتتم فيه جميع الأعمال الأكاديمية المتعلقة بالأقسام العلمية والكليات، فالأستاذ الجامعي عضو في مجلس القسم العلمي وفي لجنتين أو أكثر في القسم، وقد يكون في لجان للكلية أو للهيئة، مما يضطره لغياب المحاضرات من أجل حضور هذه اللجان، وهذا على حساب الطالب والمنهج الدراسي.
3 ـ بعض العطل غير الضرورية مما يسبب ربكة للأستاذ والطلاب، لاسيما إذا كانت في أيام تقرر فيها عقد اختبارات، فمثلا في كلية التربية الأساسية تم تعطيل الدراسة في 14/4/2014 من الساعة الواحدة ظهرا من أجل حفل للخريجين برعاية رئيس مجلس الأمة في الساعة الخامسة مساء وكذلك تعميم تعطيل الدراسة في 22/4/2014 بالكلية نفسها من الساعة الواحدة ظهرا من أجل حفل للمتفوقين مساء برعاية الشيخ د.محمد الصباح وزير الخارجية السابق.
أتفهم حرص إدارة الكلية على عدم الازدحام وانسيابية الوصول للاحتفالات، لكن بوجهة نظري أن الكلية كبيرة وبها بوابات كثيرة ومواقف سيارات كبيرة ومتعددة فتحتمل مثل هذه الاحتفالات بجانب الدراسة لاسيما في الفترة المسائية.
ومن الحلول بوجهة نظري لما سبق:
1 ـ جعل فترة التسجيل المتأخر والسحب والإضافة تنتهي في الأسبوع الذي قبل بداية الدراسة، بحيث مع بداية الدراسة يبدأ الأستاذ فعليا بالمنهج العلمي، ولجامعة الكويت تجربة ناجحة في ذلك.
2 ـ اعتماد وقت محدد (بين الفترتين الصباحية والمسائية) في يومين من الأسبوع توقف فيه المحاضرات الدراسية، وتكون فيه اجتماعات الأقسام واللجان كما هو معمول به في جامعة الكويت.
3 ـ عدم التوسع في تعطيل الدراسة لأسباب غير ضرورية، وقصر تعطيل الدراسة على قرار من المدير العام بعد تقديم مبررات مقبولة من الكليات.

وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لأداء أمانة التعلم والتعليم، وأن نرى بلادنا واحة علم وعلماء.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

 كتبه/ د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان


http://www.alanba.com.kw/kottab/abdulrahman-algerman/462765/22-04-2014

السبت، 29 مارس 2014

كذبة إبريل … تحت المجهر.


الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه ومن لأثره اقتفى.
أما بعد:
فإن الكلام سلاح ذو حدين، فربما زاد في صحيفة حسنات الإنسان، وربما زاد في صحيفة سيئاته، "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"،
 وها نحن نستقبل شهر إبريل من تاريخ الإفرنجي، ومن مظاهر الغزو الفكري على بلادنا الإسلامية: تقليد الغرب في ما يسمى ب "كذبة إبريل".
وهذه العادة المستوردة اسمها يدل على مخالفتها لشريعتنا الغراء، فإن الكذب داء عظيم، وهو من قبائح الذنوب، وكبائر العيوب، وقد حذر الله -جل وعلا- منه في كتابه الكريم، قال تعالى: "إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب"، وأمر بالصدق فقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- آمراً بالصدق محذراً من الكذب: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" رواه البخاري ومسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة" رواه الترمذي وصححه الألباني.
وعدَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- الكذب من علامات النفاق فقال: "أربع من كنّ فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من النفاق: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر" رواه البخاري ومسلم.
وقال -صلى الله عليه وسلم- مبيناً عقوبة الكاذب الذي ينتشر كذبه: "رأيت رجلان أتياني قالا: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يكذب الكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة" رواه البخاري.
وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- عظم أجر من ترك الكذب فقال: "أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً" رواه أبوداود وحسنه الألباني.
والكذب من أبغض الأخلاق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تقول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: "ما كان خلق أبغض إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكذب" رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومن تعوّد الكذب في هذه المواسم هان عليه في غيرها.
ومن جهة أخرى: فإن في هذه العادة الذميمة -كذبة إبريل- تشبه بالكفار في سلوكهم، وقد نُهينا عن ذلك، قال -صلى الله عليه وسلم- : "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
فنهى -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بهم؛ لأن مشابهتم في الظاهر والسلوك لابد أن تورث الشعور بالتقارب معهم وموادتهم.
فيجب الحذر من هذه العادات الدخيلة، والتسليم لما جاء في شريعة الإسلام، قال الله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخير من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً"، وقال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب".

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


كتبه
 د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان
 Twitter: @Dr_aljarman

الجمعة، 21 مارس 2014

أيام الأم في الإسلام ،،،

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فتعيش أغلب الأمهات الغربيات في جفوة بينهن وبين أبنائهن، فمنذ أن يبلغ الابن أو البنت سن الرشد يخرج من بيت أمه ليعيش وحده أو مع أصدقائه منشغلاً عن أمه بحياته أو اللهو بملذاته.
وحاولوا في الغرب أن يذكروا الأبناء والبنات بأمهاتهم ولو في يوم واحد في السنة فاستحدثوا واعتمدوا أخيراً في القرن العشرين عيداً للأم لإدخال السرور على قلبها بهدية أو رسالة أو مكالمة، ويختلف تاريخه من بلد لآخر ففي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وكثير من الدول يكون في الأحد الثاني من شهر مايو، وفي بعض الدول يكون في ٢١ من شهر مايو، وفي بعضها في تواريخ مختلفة.
وهذا يعكس حالة الأسى والحزن التي تعيشها الأم الغربية، فهل حق الأم على أبنائها يكون في يوم واحد في السنة؟!
هل الأم منسية لهذه الدرجة حتى يتم تذكير أبنائها بها في يوم واحد في السنة؟!
إن الإسلام أكرم الأم غاية إكرام، وجعل إكرامها وإدخال السرور عليها والإحسان إليها في كل أيام السنة وطول العمر.
فقرن الله تعالى حق الأم مع حقه تعالى الذي هو التوحيد في آيات كثيرة فقال تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً)، وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً).
ووصى تعالى بالوالدين خيراً وذكّر الإنسان بما عانته أمه في سبيل وصوله للحياة ورعايته في الصغر فقال: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً).
بل أوصى برعاية الأم والأب والإحسان إليهما ولو كانا كافرَيْن فقال: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً لى وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير * وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطِعْهُما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ...).
ونهى عن كل ما يؤذيهما لا سيما عند شدة ضعفها وحاجتهما لابنهما أو بنتهما في سن الكِبَرِ فقال تعالى: ( إما يبلغن عندك الكِبَر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) ثم أمر بلين الجانب لهما وبيّن أن الرفعة الحقيقية في التذلل لهما فقال: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) فالجناح هو الذي يُحَلَّقُ به عالياً وهو كناية عن الرفعة، ثم ختم الآية بالأمر بالدعاء لهما فقال: ( وقل ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيراً).
وبيّن النبي ﷺ أن أحق الناس بالبر والإحسان في الدنيا هي الأم ثم الأب، فقد جاء ن معاوية بن حَيْدَة -رضي الله عنه- أنه سأل النبي ﷺ فقال يا رسول الله: من أَبَرُّ؟ فقال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب) رواه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسّنه الألباني.
ولعظم منزلة الأم في الإسلام فقد بيّن النبي ﷺ أن برّ الوالدة والإحسان لها مُقدّمٌ على ذروة سنام الدين -الجهاد في سبيل الله-، فعن معاوية بن جاهِمة السلمي أنه قال: أتيت النبي ﷺ فقلت يارسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك أَحَيَّةٌ أمك؟ قلت: نعم، قال: ارجع فبرّها، ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: فارجع إليها فبرّها، ثم أتيته من أمامه فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ويحك أحية أمك؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال ويحك الزم رجلها فثمّ الجنة) رواه النسائي وابن ماجة وصححه الألباني.
وإن برّ الوالدين والإحسان إليهما في الإسلام ليس فقط في كل أيام حياتهما بل يستمر بعد وفاتهما، فقد روى أبو أُسيد -رضي الله عنه- أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ فقال له: هل بقي من برّ أبَوَيَّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم؛ الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما) رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسّنه ابن حجر.
ولهذه النصوص الشرعية غيرها عرف الصحابة الكرام منزلة الأم في الإسلام وعظم حقها على أبنائها وفضيلة برها،
فقال ترجمان القرآن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما-: (لا أعلم عملاً أقرب إلى الله -عز وجل- من بِرِّ الوالدة) أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
ولما شهد عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- رجلاً يمانياً يطوف بالبيت حاملاً أمه على ظهره  ويقول:
إني لها بعيرها المُذَلَّل *** إن أُذْعِرَت رِكابُها لم أُذْعَرِ
ثم سأل ابن عمر -رضي الله عنه-: أتراني جزيتها؟
فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: لا، ولا بزفرة واحدة -يعني من زفرات الولادة-. أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني

فهل بعد ذلك نحتاج نحن المسلمون لتقليد الغرب في الاحتفال بالأم وإدخال السرور عليها في يوم واحد في السنة؟!
هذا انتهاك لحق الأم وانتقاص من حقها، فحقها كل الأيام في حياتها وبعد وفاتها.
أنستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!
لم يأتِ أحد ولا تشريع بالإحسان للأم بمثل ما أتى به الإسلام.
فلنعتز بإسلامنا ولنلتزم تعاليمه ونبرّ أمهاتنا وآبائنا ونحسن إليهما وندخل السرور عليهما في كل الأيام في حياتهما وبعد وفاتهما.
اللهم اجعلنا بارّين بأمهاتنا وآبائنا، وارضَ عنّا وعنهم، ورضّهما علينا يا كريم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


كتبه
د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

عاشوراء في ميزان السنة النبوية ،،،

عاشوراء في ميزان السنة النبوية

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فمن رحمة الله بعباده أن جعل لهم مواسم للخيرات ليزودوا فيها من الطاعات، ويرتفعوا بها في الدرجات، وينعموا فيها بالخير والبركات, وإن من هذه المواسم الخيرة شهر الله المحرم، وهو من الأشهر الحرم كما قال تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله منها أربعة حرم ذلك الدين القيم) (التوبة/36)، وهي محرم ورجب وذو القعدة وذو الحجة.

الصوم في شهر الله المحرَّم عبادةٌ جليلة وقربة وفضيلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ((أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم)) أخرجه مسلم.

وفي هذا الشهر الكريم يتأكد صوم عاشوراء وهو اليوم العاشر منه، وهو صيام شكر، فعن عبدالله بن عباس –رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قَدِم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (ما هذا اليوم الذي تصومونه؟) فقالوا: هذا يوم عظيم: أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شُكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأمر بصيامه) رواه البخاري ومسلم.

هذا ما يتعلق بسبب صيام يوم عاشوراء، فهو من أيام الله العظيمة الذي نجى فيه فريق الحق -موسى وقومه- على فريق الباطل -فرعون وقومه-، فيُصام شكراً لله. 

ولصيام هذا اليوم فضل عظيم، فقد سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: (يكفر السنة الماضية) رواه مسلم، ولذلك كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يحرص على صيامه، قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: ما علمت أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صام يوماً يتطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم.

ويستحب مخالفة اليهود بصيام يوم قبله، كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (لئن بقيت إلى قابل لأصومـن التاسع) رواه مسلم، أي مع العاشر، وإن لم يتيسر صيام اليوم التاسع مع العاشر فيفضل صيام اليوم الحادي عشر مع العاشر لتتحقق مخالفة اليهود.


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتبه
د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان
@Dr_aljarman

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

التعليم العالي بين الكم والكيف ،،،

التعليم العالي بين الكم والكيف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.
أما بعد:
نعيش في الكويت أزمة تعليمية بدأت قبل سنتين تقريباً مع ارتفاع نسب خريجي الثانوية العامة، ففي ذلك الحين برزت أزمة القبول الجامعي، وتبيّن القصور الحكومي في موضوع التعليم العالي، فتم التدخل السياسي في التعليم العالي لتغطية هذا القصور من خلال قبول أعداد كبيرة تفوق الطاقة الاستيعابية للجامعة والتطبيقي بعيداً عن المعايير التعليمية والأكاديمية، وإغراء الدكاترة بقبول النصاب التدريسي الزائد من خلال زيادة مكافأته، إلا أن هذا لم يكفِ لقبول جميع الخريجين لنقص الدكاترة والقاعات الدراسية، فتم رفع السقف للشعب الدراسية ليصل في بعض شعب جامعة الكويت إلى 150 أو أكثر، وفي كلية التربية الأساسية إلى أكثر من 75 بعد أن كان السقف لا يتجاوز 30 – 40 ، فأصبح المهم العدد والكم على حساب كيفية التعليم وجودته.
وفي ظل زيادة الأعداد في الشعبة عن طاقة الدكتور: كيف يقوِّم من خلال الاختبارات المتعددة؟ وكيف يقوِّي من خلال الأبحاث ومناقشتها؟ وكيف يفيد من خلال النقاشات وإجابة الأسئلة؟ أصبح الأستاذ يكتفي باختبار واحد فقط للشعبة الدراسية لكي لا يعيش طوال الفصل الدراسي في دوامة التصحيح، ولا يطلب الأبحاث من الطلبة لأنه لا يستطيع تصحيحها أولاً ولا مناقشتها ثانياً، وأصبحت النقاشات العلمية بين الأستاذ والطلاب والإجابة على استفساراتهم قليلة جداًّ لأن الوقت لا يكفي، فالمحاضرة وقتها 50 دقيقة يستقطع منها 10 إلى 15 دقيقة لأخذ الغياب، فكيف يكفي الباقي منها لإلقاء المادة العلمية للمقرر فضلاً عما سبق؟!
إن تعليمنا العالي يتجه نحو الانحدار والهاوية –إن لم يُتدارك-، نعم من حق أبنائنا توفير التعليم العالي لهم، لكن ليس بهذه الطريقة التي تهدم الجودة التعليمية، فحقهم هو توفير التعليم العالي الجيد لهم، فحل هذه المشكلة ليس بضخ الأعداد الكبيرة في الشعب الدراسية، وإنما في زيادة تعيين الأكفاء من الدكاترة –لاسيما الكويتيين- وزيادة القاعات الدراسية، وإنشاء جامعات وكليات حكومية جديدة وفق معايير الجودة الأكاديمية، وفتح أفرع للجامعات العالمية،  وغيرها من الحلول.
نحن أمام خيارين: إما الحرص على العدد، وإما الحرص على الجودة التعليمية، فالأول سهل جداًّ وهو الاستمرار على هذا النهج القائم، ولكنه يهدم التعليم العالي في البلد، والثاني يخدم ويطور التعليم العالي ولكنه يحتاج إلى جهود مخلصة من المختصين وأصحاب القرار، فهؤلاء أمام واجب وطني ينبغي عليهم القيام به؛ لأن التنمية الحقيقية والاستثمار الأمثل هو في بناء الإنسان.
وفق الله الكويت وأهلها للتقدم والتطور
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

كتبه
د. عبدالرحمن عبدالله الجرمان
أستاذ أكاديمي

@Dr_Aljarman


رابط المقالة في جريدة الأنباء الكويتية لعدد يوم الأربعاء ٣٠/ ١٠/ ٢٠١٣م

http://رابط المقالة في جريدة الأنباء لعدد يوم الأربعاء ٣٠/ ١٠/ ٢٠١٣م